فصل: البحث الثاني العرق الصاعد من حيث يقارب القلب إلى أن ينبث في الرئة وفي جرم القلب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.البحث الثاني العرق الصاعد من حيث يقارب القلب إلى أن ينبث في الرئة وفي جرم القلب:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
ثم ينقسم إلى قسمين قسم منه عظيم.
إلى قوله: وأما النافذ.
الشرح:
قوله: ثم ينقسم إلى قسمين قسم منه عظيم يأتي القلب ليس المراد أن هذا عظيم بالنسبة إلى القسم الآخر فإن هذا أصغر من ذلك القسم بكثير لأن هذا القسم ينحو إلى القلب والرئة وبعض الأضلاع والقسم الآخر يتوجه إلى الصدر والرقبة والرأس والثديين فلذلك يحتاج أن يكون أعظم من هذا القسم بكثير لأن هذا القسم مع أنه أصغر كثيرًا من ذلك القسم فإنه في نفسه عظيم ومع ذلك هو أعظم عرق يتصل بالقلب لأن هذا ينفذ فيه الدم وإنما غيره ينفذ فيه النسيم وإن نفذ فيه دم فذلك الدم مع قلته رقيق جدًّا فلذلك احتيج أن يكون هذا القسم أعظم عروق القلب.
يريد بهذا المحاذاة الوصول لأن تقسيم هذا الوريد إلى الأقسام الثلاثة هو عند نفوذه في أذن القلب اليمنى وإنما انقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة لأنه يحتاج أن ينفذ منه قسم إلى الرئة ويحتاج أن ينبث منه قسم في جرم القلب لتغذيته ويحتاج أيضًا أن ينفذ منه قسم إلى الأضلاع السفلي والعضل الذي هناك وسائر ما هناك من الأجسام لإفادة الغذاء.
قوله: عرق يصير منه إلى الرئة نابتًا عند منبت الرأس بقرب الأيسر يريد بهذا النبات أنه من هناك يصعد إلى الرئة مع أن دخوله إلى داخل القلب إنما كان عند يمينه وإنما كان كذلك ليستفيد بقربه من البطن الأيسر حرارة بها يصير الدم الذي فيه قريبًا من الاستعداد ولأن يكون منه ومن الهواء الذي يستخلط به ما يصلح لأنه يصير في القلب روحًا وإنما يمكن أن تخرج هذه العروق من قريب البطن الأيسر مع أن دخوله إلى تجويف القلب إنما هو من جهة يمينه بأن ينعطف في داخل تجويف القلب من اليمين آخذًا إلى اليسار.
قوله: وقد خلق ذا غشائين كالشريانات.
يريد ذا طبقتين وإنما خلق كذلك ليكون جرمه مستحصفًا ضيق المسام جدًّا فلا يرشح منه من الدم إلا ما لطف جدًّا وهذا لذي يرشح منه يصادف هواء كثيرًا مبثوثًا في تجاويف الرئة فيختلط به وبذلك يصلح لأن يصير في القلب روحًا وباقي الدم الذي لا يرشح من تلك المسام ينفذ من فوهات أجزاء هذا العرق فتغتذي به الرئة قوله: أن يكون ما يرشح منه دمًا كثيرًا في غاية الرقة مشاكلًا لجوهر الرئة هذا الكلام لا يصح فإن جوهر الرئة ليس بغاية الرقة وإنما الفائدة فيه ما ذكرناه وإنما كان غذاء الرئة يأتي إليها من القلب مع العرق العظيم الحاوي للدم الغاذي للأعضاء العلوية كما سنذكره بعد تصعيد إلى خلف الرئة وقريبا منها جدًّا ومن القلب مع أن العرق قريب منها جدًّا فيكون أخذها الغذاء منه أسهل.
السبب في ذلك أن الرئة عضو من شأنه تهيئة المادة لأن تستحيل في القلب روحًا وإنما يمكن ذلك إذا كانت المادة يغلب عليها الجوهر الهوائي حتى تكون مناسبة لجوهر الروح ولا يمكن أن يكون هواءً صرفًا.
فإن الأجسام البسيطة قد بينا أنها لا تصلح للتغذية فلذلك إنما يصير هذا الهواء صالحًا لتغذية الروح إذا خالطته أجزاء دموية حتى يصير بسبب ذلك ممتزجًا مع الهواء وتلك الأجزاء وإنما يمكن تلك الأجزاء أن تعد الهواء لتغذية الروح إذا كانت شديدة اللطافة حارة وإنما يمكن ذلك إذا كانت قد تسخنت في القلب ولطفت جدًّا فلذلك لابد من أن تكون الأجزاء الدموية التي تخالط الهواء الذي في الرئة ويصير من جملة ذلك ما يصلح لغذاء الروح متسخنة في القلب وإنما يمكن نفوذها إلى الرئة بأن تكون الرئة جاذبة لها ولكل عضو يجذب خلطًا فإنه إنما يجذبه ليغتذي به وإنما يمكن ذلك إذا كان غذاء الرئة يأتي إليها من القلب فإنه لو وصل إليها من القلب العرق العظيم الذي هو وراءها لاستغنت تلك عن جذب الدم من القلب.
ولو كانت كذلك لم ينفذ الدم اللطيف من القلب إليها فلذلك احتيج أن يكون غذاء الرئة يأتي إليها من القلب لا كما قاله جالينوس.
وهو أن ذلك لأن دم العرق العظيم الذي وراءها لا يصلح لتغذيتها لأنه لا يغلب عليه الصفراء وغذاء الرئة عنده يجب أن تكون الصفراء غالبة عليه.
ونحن قد بينا سهوه في ذلك وبينا أن الصفراء لا تصلح لتغذية عضو البتة لا بانفرادها ولا بأن تكون غالبة على الدم بل إن كان الصفراء تغذيه كما تغذو الأبازير الحارة إذا وضعت في الأطعمة. والله ولي التوفيق.

.البحث الثالث القسم الأعظم من قسمي العرق الصاعد:

عند انقسامه إلى الجزأين اللذين أصغرهما أعظم عروق القلب هو الذي ينقسم عند الأذن اليمنى من أذني القلب إلى ثلاثة أقسام قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
وأما النافذ.
إلى قوله: والذي يبقى من الانشعاب الأول.
الشرح:
قوله: يتفرق منه في أعالي الأغشية المنصفة للصدر وأعالي الغلاف وفي اللحم الرخو المسمى توتة شعب شعرية أما تفرق الشعب إلى هذه الأشياء فلأجل تغذيتها واختصت بهذا الصاعد لأجل قربها منه.
وكانت هذه الشعب شعرية لتمنع نفوذ الدم الغليظ فيها فإن غذاء الأغشية أما تفرق الشعب إلى هذه الأشياء فلأجل تغذيتها هذه الأغشية يجب أن يكون رقيقًا كما بيناه أو لًا.
وغذاء الغلاف أعني به غلاف القلب يجب أن يكون مائيًا وكذلك غذاء اللحم الرخو إلا أن مائية غذاء هذا اللحم يجب أن يكون أقل من مائية غذاء الغلاف لأن الشحم أكثر مائية من اللحم الرخو.
قوله: ثم عند القرب من الترقوة يتشعب منه شعبتان تصير كل شعبة منهما شعبتين هاتان الشعبتان تصعدان من العرق العظيم الصاعد إذا قارب في صعوده الترقوتين وهما مع عظمهما صغيران بالقياس إلى الباقي من ذلك العرق وهاتان الشعبتان تصعدان إلى قرب الترقوتين جدًّا وتصعدان مؤربتين متباعدتين فيكونان على هيئة اللام اليونانية فإذا قاربتا جدًّا الترقوتين انقسمت كل واحدة منهما إلى قسمين وهذان القسمان أحدهما أصغر من الآخر والصغير منهما ينحدر كل فرد منه عن جانب القص إلى أسفل حتى تنتهي إلى المواضع المذكورة في الكتاب.
السبب في نزول هذين أن الأعضاء التي ينتهيان إليها كالثرب والعضل المستقيم الذي في طول البطن والعضلات الخارجة من الصدر ونحو ذلك.
وهذه العضلات كلها تحتاج أن يكون دمها الغاذي لها شديد الحرارة أما الثرب وعضلات البطن فلأن هذه الأعضاء تحتاج أن تكون حارة بالفعل لتسخن المعدة فتعينها على طبخ الأغذية.
وأما عضلات الصدر ونحو ذلك فلأن الصدر اكثر أجزائه باردة المزاج كالعظام والأغشية ونحو ذلك فيحتاج أن يكون ما عليه من العضل حار المزاج ليفي بتعديل برودة تلك الأعضاء وإنما يمكن أن يكون الدم شديد الحرارة بالطبع إذ قارب القلب حتى يتسخن بحرارته خاصة دم هذا العرق فإنه يقارب القلب مرتين مرة في صعوده ومرة في نزوله.
فلذلك احتاج كثير من الأعضاء السفلية إلى أن يأتيها غذاها من العرق الصاعد.
وأما الأعضاء العلوية فليس فيها ما يصل إليه شيء من العرق النازل إلا الثدي فإن الثديين ينتهي إليهما عرق من العرق النازل ويصعد إليهما من الرحم.
وذلك ليكون من الرحم والثديين مشاركة له وإنما احتيج إلى ذلك ليمكن أن يتصعد إليهما ما يفضل من غذاء الجنين من دم الطمث فيستحيل في الثديين لبنًا.
وقوله: وأما الباقي في كل واحد منهما وهو زوج يعني بذلك الباقي من كل واحدة من الشعبتين الصاعدتين إلى مقاربة الترقوتين جدًّا فإن كل واحدة من تلك الشعبتين تنقسم إلى قسمين أصغرهما يمر عن جانبي القص إلى أسفل وينتهي إلى الأعضاء المذكورة في الكتاب وأعظمها وهو قسم من كل واحدة من الشعبتين فلذلك هو زوج وهذا الزوج في كل فرد منه في قرب ترقوة وهو ينقسم إلى خمسة أقسام. والله ولي التوفيق.

.البحث الرابع العرق العظيم الصاعد بعد تشعب الشعبتين منه عند مقاربة الترقوتين إلى أن يبلغ أعلى الرأس:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
والذي يبقى من الانشعاب الأول الذي انشعب.
إلى آخر الفصل.
الشرح:
قوله: وقبل أن يمعن في ذلك ينقسم قسمين: أحدهما: الوداج الظاهر والثاني الوداج الغائر.
معناه: أن الأول من هذين القسمين يصير منه الوداج الظاهر.
والآخر يصير منه الوداج الغائر.
قوله: على ما هما عليه فليس شيء منهما بوداج لأن كل واحد منهما فإنه إنما يصير منه الوداج الذي سماه به بعد أن ينفصل منه أجزاء ويكون الوداج ما بقي بعد ذلك.
وذلك فلا يكون المجموع هو الوداج وكل واحدة من الترقوتين فإنها تصعد من عندها ما يكون منه وداج ظاهر ووداج غائر والذي يصير منه الوداج الظاهر كما يصعد من الترقوة ينقسم إلى قسمين: أحدهما: يأخذ إلى قدام الترقوة وإلى جانبها والثاني يأخذ أو لًا إلى قدام ثم يتسافل قليلًا ثم يصعد إلى قدام الترقوة ويستدير عليها ثم يصعد حتى يلحق بالقسم الأول فيختلط به ويصير من جملتها الوداج الظاهر.
وفائدة انقسامه أو لًا اختلاط قسمته حتى يكون منهما قسم واحد أن يمر أحد القسمين بباطن الترقوة والآخر بظاهرها فيعم الغذاء لظاهرها وباطنها وذلك مما لا يتم لو كانا قسمًا واحدًا والذي يمر بظاهر الترقوة ويحتاج أن يستدير عليها ليصل منه الغذاء إلى أجزاء كثيرة بين ظاهر الترقوة وإنما لم يحتج إلى ذلك المار بباطنها لأن باطن الترقوة يستغني عن ذلك بكثرة العروق هناك ثم إذا تم ذلك الغرض عاد القسمان فصارا عرقًا واحدًا لأن ذلك هو المقصود منهما قبل القسمة.
قوله: وقبل أن يختلط به ينفصل عنه جزءان أحدهما يأخذ عرضًا.
القسم الثاني من القسمين اللذين يكون من اختلاطهما الوداج الظاهر وهو الذي يتسفل قبل تصعده قليلًا ثم يصعد مستظهرًا للترقوة وينفصل منه قبل اختلاطه بالقسم الآخر أربعة عروق أخر.
اثنان منها يتميزان عن الاثنين الآخرين فلذلك هما زوجان وهما المرادان بالجزأين لأنه جعل كل زوج الاثنين جزءًا والزوج الأول من هذين يأخذان عرضًا نحو أعلى القص أي إنه يأخذ في عرض العنق مع تسفل يسير وهذا الزوج يلتقي فرداه ويتصل أحدهما بالآخر وذلك عند الموضع الغائر الذي بين الترقوتين وأما الزوج الآخر فإن فرديه يتوربان صاعدين مستظهرين للعنق ولا يلتقي أحد فرديه بالآخر كما في الزوج الآخر.
قوله: ويؤديها إلى الموضع الواسع وهو الفضاء الذي ينصب إليه الدم ويجتمع فيه ثم يتفرق عنه فيما ما بين الطاقين.
معناه: ثم يؤدي الصفة الثخين هذه العروق إلى الموضع الواسع وهو الفضاء الذي من شأنه ذلك موضوع فيما بين الطاقين أي الاثنين: الجافية والرقيقة.
وذلك لأن الأم الجافية تنعطف إلى أسفل وتخلي هناك تجويفًا وذلك التجويف هو الفضاء الذي ينصب فيه الدم. هذا التجويف هولا محالة فوق الأم الجافية وتحت الأم الرقيقة فهو بين الطاقين. والله ولي التوفيق.